الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        [ ص: 11 ] بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أرسل رسله بالبينات ، وأنزل معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ، وأنزل الحديد فيه بأس شديد ، ومنافع للناس ، وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب ، إن الله قوي عزيز ، وختمهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ، الذي أرسله بالهدى ودين الحق ، ليظهره على الدين كله ، وأيده بالسلطان النصير ، الجامع معنى العلم والقلم للهداية والحجة ، ومعنى القدرة والسيف للنصرة والتعزير ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة خالصة خلاص الذهب الإبريز ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ، وسلم تسليما كثيرا ، وشهادة يكون صاحبها في حرز حريز .

        ( أما بعد ) فهذه رسالة مختصرة ، فيها جوامع من السياسة الإلهية والإنابة النبوية ، لا يستغني عنها الراعي والرعية ، اقتضاها من أوجب الله نصحه من ولاة الأمور ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، فيما ثبت عنه من غير وجه : { إن الله يرضى لكم ثلاثة : أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم } [ ص: 12 ] موضوع الرسالة ( وهذه ) وهذه رسالة مبنية على آية الأمراء في كتاب الله ، وهي قوله تعالى : { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا . يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ، فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ، إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا }

        ( قال العلماء ) نزلت الآية الأولى في ولاة الأمور ، عليهم أن يؤدوا الأمانات إلى أهلها ، وإذا حكموا بين الناس أن يحكموا بالعدل ، ونزلت الثانية في الرعية من الجيوش وغيرهم ، عليهم أن يطيعوا أولي الأمر [ ص: 13 ] الفاعلين لذلك في قسمهم وحكمهم ومغازيهم وغير ذلك ، إلا أن يأمروا بمعصية الله ، فإن أمروا بمعصية فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، فإن تنازعوا في شيء ردوه إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم . وإن لم تفعل ولاة الأمر ذلك ، أطيعوا فيما يأمرون به من طاعة الله ، لأن ذلك من طاعة الله ورسوله ، وأديت حقوقهم إليهم كما أمر الله ورسوله { وتعاونوا على البر والتقوى ، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } وإذا كانت الآية قد أوجبت أداء الأمانات إلى أهلها ، والحكم بالعدل . فهذان جماع السياسة العادلة ، والولاية .

        التالي السابق


        الخدمات العلمية